سورة الأنعام - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)} [الأنعام: 6/ 63- 67].
هذه الآيات الأولى لتوبيخ عبدة الأوثان، وتعريفهم بسوء فعلهم في عبادة الأصنام، وتركهم الذي ينجّي من المهلكات، ويلجأ إليه في الشدائد.
ومعناها: قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الغافلين عن آيات التوحيد: من الذي ينجّيكم من شدائد البر والبحر، وأهوال السفر ومخاوفه إذا ضللتم في أنحاء الأرض البرية والبحرية، فإنكم في وقت المحنة لا تجدون غير اللّه ملجأ تدعونه علانية وسرّا، بخشوع وخوف، ومبالغة في الضّراعة والتّذلل والخضوع، حال كونكم تقسمون: لئن أنجانا اللّه من هذه الشدائد والظلمات وضوائق الأمور، لنكونن من شاكري النعمة، المقرّين بتوحيد اللّه، المخلصين له في العبادة، دون إشراك.
قل أيها النّبي: اللّه تعالى هو الذي ينجيكم مرارا من هذه الأهوال، ومن كل كرب أي غم وشدة، ثم مع ذلك أنتم بعدئذ تشركون بالله غيره، فتخلفون وعدكم بالإيمان، وتخونون العهد مع اللّه سبحانه، وتحنثون بالقسم الذي حلفتموه. وهذا مع الأسف الشديد طبع أغلب الناس، يلجأ الإنسان عادة إلى اللّه في الشّدة والمكروه، ثم بعد النّجاة ينسى العهد، ويعود إلى الجهل والكفر، فلا يقدر اللّه حقّ قدره، ولا يعظم جناب ربّه.
قل أيها النّبي لهؤلاء المشركين على سبيل التهديد والوعيد والإنذار: اللّه هو القادر على أن ينزل عليكم ألوان العذاب المختلفة، كالرّجم بالحجارة أو الصواعق، أو البراكين والزلازل، أو الطوفان أو أعاصير الريح أو الخسف المعهود في الأمم السابقة، أو إيقاع الفرقة والفتن والاختلاط والاختلاف والاضطراب، حتى تصير الأمة شيعا وأحزابا وجماعات، كل فرقة لها اتجاه ومنهاج، فيقع التقاتل والتحارب، ويذيق بعض الناس بأس بعض وشدته، حتى يقتل بعضهم بعضا. والتّفرق والاقتتال أهون وأخفّ من عذاب الاستئصال.
انظر أيها النّبي على سبيل التعجيب كيف ننوّع أساليب الكلام، وكيف نبيّن الدلائل بوجوه مختلفة، إما بطريق محسوس أو بطريق معقول، لعلهم يفهمون الإنذارات ويتدبرون عن اللّه الحجج والبيّنات، فتحدث عندهم العبرة والعظة وتصحيح الأحوال. والمراد بذلك صرف أولئك الغواة المشركين عن غيّهم، وتوجيههم نحو ما يسعدهم وينجيهم.
ولكن أولئك المشركين من قريش وأمثالهم كذّبوا بالقرآن الذي جاء به محمد رسول اللّه، وبالهدى والبيان وبالعذاب الذي هدّدوا به، والحال أن القرآن وإنذاراته حق وصدق ليس وراءه أصدق منه. قل أيها النّبي للمشركين: لست بموكل بكم ولا حفيظ، ولا بمدفوع إلى أخذكم بالإيمان وإجباركم على الهدى، فأنتم بملء حرّيتكم تختارون الإيمان وتتركون الضلالة والكفر.
ثم أعلن القرآن قاعدة عامة في التّهديد والوعيد على التّكذيب بالقرآن أو بالعذاب، فقال اللّه تعالى: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)} أي لكل خبر غاية ونهاية يعرف عندها صدقه من كذبه، وسوف تعلمون يقينا صدق الخبر وحقيقة الوعد والوعيد، وهو وعد اللّه رسوله بالنصر على أعدائه، ووعيده لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة، قال اللّه تعالى: {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)} [فصّلت: 41/ 53].
وإذا تفضّل اللّه على هذه الأمة المؤمنة برفع عذاب الاستئصال إكراما لنبيّها، فلم يبق بينهم داء إلا الفرقة والشّتات، والنّزاع والخلاف، فليحذروه ليكونوا أمة مهابة بين الأمم، وعنوانا طيبا رفيعا لرسالة الحقّ والقرآن.
جزاء المستهزئين بالقرآن:
يوجد في كل أمّة أناس يعادون القيم الدينية والإنسانية والحضارية، لسوء في طباعهم، وانحراف في سلوكهم، وتأثّرا بأهوائهم وشهواتهم، ومن هؤلاء نفر من المشركين المكيّين كانوا يستهزئون بالقرآن المجيد، ويناصرون الأوثان والأصنام، وذلك منتهى التّردي في الإنسانية وإهدار الكرامة وإهمال العقل، ومثل هؤلاء لا يفيدهم نقاش ولا جدال، وأفضل شيء معهم هو التّرفع والإعراض عنهم، وإهمالهم وتركهم سادرين في ضلالهم، انتظارا لعذاب اللّه الذي يوقعه بهم في الدنيا والآخرة.
قال اللّه تعالى:


{وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70)} [الأنعام: 6/ 68- 70].
ذكر الطبري عن السّدّي سبب نزول هذه الآيات، فقال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين، وقعوا في النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن، فسبّوه واستهزءوا به، فأمرهم اللّه ألا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. والخائضون في آيات اللّه: هم المكذّبون بها.
هذه الآيات أمر بترك هؤلاء العابثين وتهديد ووعيد لهم، فإذا رأيت أيها النّبي وكل مؤمن الذين يخوضون في آيات القرآن بالتكذيب والاستهزاء، فأعرض عنهم ولا تجالسهم، حتى ينتقلوا إلى التّحدث بحديث آخر، فإذا فعلوا فلا مانع من مجالستهم والتّحدث إليهم. وإن أنساك الشيطان قبح مجالسهم والمنع منها أو النّهي عنها، فجلست مع الخائضين ناسيا، فلا تقعد بعد التّذكر مع القوم الظالمين أنفسهم بالتكذيب والاستهزاء.
وليس نهيكم أيها المؤمنون المتّقون عن القعود، وأمركم بالإعراض عن الخائضين، لأن عليكم شيئا من حسابهم، وإنما هو ذكرى لكم وموعظة، لعلهم يتّقون الخوض في آيات اللّه، ويذكرون اللّه وعظمته وجلاله.
ثم أكّد اللّه تعالى ترك المستهزئين بآيات القرآن بقوله: { وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} أي اترك أيها الرسول والمؤمنون الذين اتّخذوا دينهم مجالا للعب واللهو، فإنهم يتلاعبون بدينهم بعبادة الأصنام، يصنعونها بأيديهم ثم يأكلونها، فقد أضاعوا عمرهم فيما لا يفيد، وهذا هو اللعب، وشغلوا أنفسهم عن العمل المفيد، وهذا هو اللهو، وغرّتهم أي خدعتهم الدنيا الفانية، وآثروها على الحياة الباقية، واشتغلوا بلذّات الدنيا الحقيرة، فخاضوا في آيات اللّه بدلا عما كان يجب عليهم من فهمها وامتثالها، كما قال تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)} [الحجر: 15/ 3].
وذكّر أيها الرسول الناس بالقرآن وعظهم به، لئلا تبسل نفس، أي تجازى وتسلّم إلى الهلاك وتتحمل سوء عملها الذي صدر منها في الدنيا، وذلك في حال لا قريب منها ولا شفيع لها ولا ناصر ينصرها، بل ولا ينفعها عدل أي فداء تفتدي به، فإن بذلت كل فداء، لم يقبل منها، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 2/ 123].
وهذا إبطال لمبدأ وثني: وهو رجاء النّجاة في الآخرة، كما في الدنيا بتقديم الفدية لله تعالى، أو بشفاعة الشفعاء، ووساطة الوسطاء عند اللّه تعالى.
إن جزاء المستهزئين بآيات اللّه وهو العذاب في نار جهنم، كان بسبب سوء صنيعهم، فأولئك الذين أبسلوا بما كسبوا، أي أولئك المتّخذون دينهم لعبا ولهوا هم الذين جوزوا وعذّبوا بسبب عملهم في الدنيا، وجزاؤهم شراب من حميم، أي من ماء شديد الحرارة، يحرق البطون، ويقطع الأمعاء، ثم ينبت بدلها لتكرار العذاب، كما قال اللّه تعالى: {وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ} [محمد: 47/ 15].
وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56)} [النّساء: 4/ 56].
محاربة الشّرك:
إن من أهم أصول شريعة الإسلام وشرائع الأنبياء السابقين القضاء على الشّرك وتصفية معاقله وإنهاء وجوده وآثاره بين الناس لأن عقيدة الشّرك صفة بدائية غير حضارية، تسيء إلى الإنسان وتقديره، وتجعله يرتع في مخازي الخرافات والأباطيل، وتكون سببا لتدميره وتعذيبه عذابا شديدا في الدار الآخرة.
قال اللّه تعالى مبيّنا مخازي الشّرك وضلالات المشركين:


{قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)} [الأنعام: 6/ 71- 73].
هذه حملة شديدة من الجدال والنقاش واللوم على الشّرك والمشركين، قال السّدّي مبيّنا سبب النزول: قال المشركون للمسلمين: اتّبعوا سبيلنا، واتركوا دين محمد، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا} الآيات.
والمعنى: قل أيها النّبي في احتجاجك على المشركين: أنطيع رأيكم في أن نعبد من دون اللّه ما لا قدرة له على نفعنا ولا على ضرّنا لأنها أصنام صماء جمادات لا حياة فيها ولا حركة، ثم نردّ على أعقابنا إلى إلى الشّرك والكفر، بعد أن أنقذنا اللّه منه، وهدانا للإسلام دين المجد والحضارة، والرّقي واحترام العقل والكرامة الإنسانية، فيكون مثلنا مثل الذي استهوته الشياطين في الأرض، وذهبت بعقله، وأصبح حيران تائها، لا يدري كيف يسير؟ والحال أن له أصحابا مخلصين، على الجادّة المستقيمة، يدعونه إلى طريق الهدى، قائلين له: {ائْتِنا} أي بادر إلى اتّباع طريقتنا، فهي حقّ وخير ورشد.
وبعبارة أخرى: أيصلح أن يكون بعد الهدى أن نعبد الأصنام، فيكون ذلك منا ارتدادا على العقب، فيكون كرجل على طريق واضح، فاستهوته عنه الشياطين، فخرج عنه إلى دعوتهم، فيكون حائرا؟
ادع أيها الرسول أولئك المشركين لدين الحق، وقل لهم: إن هدى اللّه في قرآنه هو الهدى، وطريق الإسلام هو الحق، وهو الصراط المستقيم، لا ما تدعون إليه من أهوائكم، فليس ذلك بهدي، بل هو في نفسه كفر وضلال. وقل لهم: وأمرنا بأن نسلم لله ربّ العالمين، أي نخلص له العبادة وحده لا شريك له، فأسلمنا.
وأمرنا أيضا بإقامة الصلاة: وهي الإتيان بها على الوجه الأكمل، الذي شرعت من أجله: وهو تزكية النفس بمناجاة اللّه، والنّهي أو المنع عن الفحشاء والمنكر.
وأمرنا كذلك بتقوى اللّه، أي اتّقاء ما يترتّب على مخالفة دين اللّه وشرعه، فنكون مأمورين بأمور ثلاثة: هي الإخلاص لله دون إشراك، وإقامة الصلاة وعبادة اللّه وحده دون غيره، والتقوى في جميع الأحوال سرّا وعلنا. والسبب في هذه الأوامر الثلاثة إعداد النفوس للمستقبل، والخلود الأبدي في الآخرة، لأن اللّه يحاسبنا، وهو الذي إليه تحشرون، أي تجمعون يوم القيامة، فيحاسب الخلائق على أعمالهم، ويجازيهم عليها.
واللّه الذي نعبده هو خالق السماوات والأرض ومالكهما ومدبرهما بالحق والعدل والحكمة، والخلق معناه: الابتداع والإخراج من العدم إلى الوجود، ومعنى الخلق بالحق: أنه لم يخلق السماوات والأرض باطلا من غير معنى، بل لمعان مفيدة ولحقائق بيّنة، منها الاستدلال بها على وجود الصانع الخالق ونزول الأرزاق وغير ذلك.
واذكر أيها الرسول الخلق والإعادة يوم يقول اللّه للشيء يوم القيامة: {كُنْ فَيَكُونُ} ويوم ينفخ في الصور، فيصعق كل من في السماوات والأرض، ويهلك كل مخلوق حتى الملك الذي نفخ فيه. وقول اللّه هو الحق، أي قضاؤه هو الحق، واللّه سبحانه صاحب الملك، المطلق في الدنيا والآخرة. ومن صفات اللّه تعالى أنه عالم الغيب والشهادة، أي ما غاب عنّا، وعالم المحسوسات الذي نراه، وهو سبحانه الحكيم في خلقه، فلا يفعل ولا يشرع لعباده إلا ما فيه الخير والحكمة والمصلحة، وهو الخبير بأحوالهم، المطّلع على سرائرهم ونيّاتهم وضمائرهم. وإذا كان اللّه هو المتّصف بهذه الصفات، فهو الأحقّ بالعبادة، فلا يصحّ لعاقل أن يدعو أو يعبد غير اللّه تعالى، لذا قال سبحانه: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجنّ: 72/ 18]، {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ} [الأنعام: 6/ 41].
مجادلة إبراهيم الخليل لأبيه:
لقد تحمّل الأنبياء والرّسل عليهم الصلاة والسّلام عناء كبيرا وجهدا عظيما من أجل ترك الناس عبادة الأصنام والأوثان من قديم الزمان، وكان لسيّدنا إبراهيم الخليل عليه السّلام قدرة بارعة على جدال الوثنيين، ومنهم أبوه آزر، الذي تلطّف في مجادلته، وحاول إقناعه بكل الوسائل، فلم يستجب آزر لدعوة التوحيد، بل هدّد إبراهيم عليه السّلام بالقتل رجما بالحجارة إن لم يكف عن دعوته، قال اللّه تعالى:

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10